محادين بده يمووت
عدد الرسائل : 225 الهوايه : عواطلي المزاج : رايق احترام قوانين المنتدى : تاريخ التسجيل : 18/10/2007
| موضوع: الى ولدي سفيان (خالد محادين) الخميس يناير 10, 2008 11:49 pm | |
| القصيدة قبل الأخيرة
«الى ابني سفيان مع خطوته الاولى في الغربة»
تعد حقيبتك،
وفي غفلة منك أدس داخلها اوراقي
تنحني لترفعها
فأسمعك تتمتم: كم هي ثقيلة!
ولحظة اوشك ان ادس ورقتي الاخيرة
في جيبك الخلفي،
تحاصرني حواسك الخمس وتبتسم
* * *
ها أنت تمضي بعيدا
لحظة اكون وحيدا في مدينة مزدحمة
بالوحشة
وليس معي سواك
وكما يفعل الآباء وهم يشدون الى صدورهم
اجساد ابنائهم وأحلامهم
اقترب منك،
فأشعر انني مختبئ داخل بطاقة سفرك
وجواز سفرك وهاتفك الخلوي
انه كل ما تبقى لنا:
جسرنا الواحد
والنافذة المفتوحة فيما بيننا
والطريق الضيقة التي اقطعها كل ليلة
بين سريرك ومفاتيحك واوراقك الكثيرة،
* * *
لا اشعر برغبة في العتاب
او في القول: انها ليست اللحظة المناسبة
للابتعاد،
او في تقديم النصح المألوف الذي
يدسه الآباء في اذان الابناء!
اذ اعترف أنك كنت دائما
أكثر هدوءا مني،
وربما اكثر حكمة
وأكثر حرصا على البقاء بين اصدقائك
وأكثر قدرة على سكب الماء البارد
فوق غضبي الذي يأتي فجأة
ويذهب سريعا
* * *
ها أنت تمضي بعيدا
بينما اواصل وحيدا نومي على صدر المدينة
لم يعد التراب هو التراب
ولا الحجارة هي الحجارة
ولا الشوارع هي الشوارع
ولا الوجوه هي الوجوه
ولا الهواء هو الهواء
ولا الاصدقاء هم الاصدقاء
ولا الورق الذي تتوزعه زوايا البيت
مما يمكن ان يظمأ لنقطة حبر
حتى قصائدي القديمة تبدو لي كأنها
لشاعر آخر.
أجلس أمامه وأمامها وأشعر برغبة
في تأكيد حقدي عليه وعليها
اذ كيف كان في وسعه ان يقول
كل هذا الكلام الجميل،
ولم يعد في وسعي ان اكتب اليك
قصيدة واحدة
تمضي معك الى الغربة
وتكون آخر ما تسمعه مني
او تقرأه لي
قبل ان تبدأ رحلتك الصحراوية
حيث تحاصرك كثبان الحنين
وليس في وسعك ان تتسلق
اقصرها قامة
* * *
يشد الآباء ابناءهم الى صدورهم
عندما يعلنون امامهم موعد الرحيل،
لكنني ادفعك عني وكأنني ادفعك
الى غربة لتنام تحت سقف آمن،
ويذرف الآباء دمعة وهم يعدون
خطى ابنائهم
تمضي بهم نحو قاعة المسافرين،
لكنني اذرف نقطة حبر في منديل ورقي
ثم اطلب من الريح ان تحط على طاولة
لك في غرفتك الجديدة
حاملة منديلي ونقطة حبري
* * *
يا بني
يا آخر العنقود الذي يتدلى وحيدا
من كرمة على معرش
يطرد عني الهجير،
يا آخر القصائد التي كتبتها قبل ان
تحترق اوراقي
ويجوف العمر قلمي
ليحيله الى ناي
ليس له شفتان او صوت حزين
ويا آخر افراحي
التي ما تزال ترافقني في زحمة المدينة
ووحشة الشوارع والمنازل والارصفة،
سأجلس بعد رحيلك
على دفتر قديم مستندا الى حائط
في قرية جنوبية
حتى اذا انست الى الليل
والى الاصوات الرتيبة
والى عتمة الطرقات
اخذت في الغناء وحيدا
طاردا بوحشتي عتاب الأحبة وغضب الاصدقاء
ونداءات الاحلام الريفية العميقة
اعرف انك تمضي الآن
لكنني اشعر بالرعب عندما تمر بالبال
انك ستأتي
تجتاز قاعة المطار والطريق الصحراوي
والشوارع المزدحمة بالوحشة
ثم تجتاز عتبة البيت
فلا تجدني فوق مقعدي امام نشرة اخبار
حيث تدرك كم انني كنت قاسيا
اذ لم انتظر عودتك
وبدأت رحلتي الاخيرة
تاركا لك قصيدة ومقعدا وزجاجة حبر
ودفترا اصفر الورق
وابتسامة فرح تغطي الجدار المقابل
لمقعدك الجديد. | |
|